كنز الفوائد - ج ١

أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي

كنز الفوائد - ج ١

المؤلف:

أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي


المحقق: الشيخ عبدالله نعمه
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الأضواء
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩١
الجزء ١ الجزء ٢

وكان يقال :

العافية عشرة أجزاء فتسعة منها في الصبر والعاشر في التفرد عن الناس.

لبعضهم

ألم تر (١) أن الصبر أجمل للفتى

إذا ضاق عنه أمر لم يجد عنه مخرجا

فما صفت الدنيا لصاحب نعمة

ولا اشتد أمر قط إلا تفرجا

وقيل إن الأدب هو الصبر على الغصة حتى تدرك الفرصة. لآخر

ولما امتطيت صروف الزمان

وأسلمت للدهر طوعا قيادي

تزودت صبرا لوعثائه

وزاد أخي الصبر من خير زاد

ولم يضع الصبر قدر امرئ

وهل يضيع الترب إثر النجاد

قصة ذريب بن ثملا (٢) وصي عيسى ابن مريم ع

فصل

أخبرني أبو الحسن محمد بن علي بن صخر قال حدثنا أبو شجاع فارس بن موسى العرضي بالبصرة قال حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن محمد بن

_________________

(١) في النسخة (أما ترى) فأبدلناه ب (ألم تر) فرارا من الزحاف.

(٢) أشار إلى هذه القصة صاحب لسان الميزان ج ٣ صلى الله عليه وآله وسلم ٤٠٢ إشارة موجزة واعتبرها غير صحيحة.

١٤١

شيبة الكوفي ببغداد قال حدثنا أبو نعيم محمد بن يحيى الطوسي السراج قال حدثنا محمد بن خالد الدمشقي قال حدثنا سعيد بن محمد بن عبد الرحمن بن خارجة الرقي قال قال معاوية بن العضلة

كنت في الوفد الذين وجههم عمر بن الخطاب وفتحنا مدينة حلوان وطلبنا المشركين في الشعب فلم نقدر عليهم فحضرت الصلاة فانتهيت إلى ماء فنزلت عن فرسي وأخذت بعنانه ثم توضأت وأذنت فقلت الله أكبر الله أكبر فأجابني شيء من الجبل وهو يقول كبرت كبيرا ففزعت لذلك فزعا شديدا ونظرت يمينا وشمالا فلم أر شيئا.

فقلت أشهد أن لا إله إلا الله فأجابني وهو يقول الآن حين أخلصت.

فقلت أشهد أن محمدا رسول الله فقال نبي بعث.

فقلت حي على الصلاة فقال فريضة افترضت.

فقلت حي على الفلاح فقال قد أفلح من أجابها واستجاب لها.

فقلت قد قامت الصلاة فقال البقاء لأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلى رأسها تقوم الساعة.

فلما فرغت من أذاني ناديت بأعلى صوتي حتى أسمعت ما بين لابتي الجبل فقلت إنسي أم جني قال فأطلع رأسه من كهف الجبل فقال ما أنا بجني ولكني إنسي فقلت له من أنت يرحمك الله قال أنا ذريب بن ثملا من حواري عيسى ابن مريم عليهم السلام أشهد أن صاحبكم نبي = وهو الذي بشر به عيسى ابن مريم عليهم السلام ولقد أردت الوصول إليه فحالت بيني وبينه فارس وكسرى وأصحابه ثم أدخل رأسه في كهف الجبل فركبت دابتي ولحقت بالناس وسعد بن أبي وقاص أميرنا فأخبرته بالخبر فكتب بذلك إلى عمر بن الخطاب فجاء كتاب عمر يقول الحق الرجل فركب سعد وركبت معه حتى انتهينا إلى الجبل فلم نترك كهفا ولا شعبا ولا واديا إلا التمسناه فلم نقدر عليه وحضرت الصلاة فلما فرغت من صلاتي ناديت بأعلى صوتي :

١٤٢

يا صاحب الصوت الحسن والوجه الجميل إنا قد سمعنا منك كلاما حسنا فأخبرنا من أنت يرحمك الله أقررت بالله تعالى ووحدانيته قال فأطلع رأسه من كهف الجبل فإذا (١) شيخ أبيض الرأس واللحية له هامة كأنها رحى فقال :

السلام عليكم ورحمة الله قلت وعليك السلام ورحمة الله من أنت يرحمك الله؟

قال أنا ذريب بن ثملا وصي العبد الصالح عيسى ابن مريم عليهم السلام كان قد سأل ربه لي البقاء إلى نزوله من السماء وقراري في هذا الجبل وأنا موصيكم سددوا وقاربوا وإياكم وخصالا تظهر في أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فإن ظهرت فالهرب الهرب ليقوم أحدكم على نار جهنم حتى تطفأ عنه خير له من البقاء في ذلك الزمان.

قال معاوية بن الفضلة قلت له يرحمك الله أخبرنا بهذه الخصال لنعرف ذهاب دنيانا وإقبال آخرتنا قال نعم إذا استغنى رجالكم برجالكم واستغنت نساؤكم بنسائكم وانتسبتم إلى غير مناسبكم وتوليتم إلى غير مواليكم ولم يرحم كبيركم صغيركم ولم يوقر صغيركم كبيركم وكثر طعامكم فلم تروه إلا غلاء أسعاركم وصارت خلافتكم في صبيانكم وركن علماؤكم إلى ولاتكم فأحلوا الحرام وحرموا الحلال وأفتوهم بما يشتهون واتخذوا القرآن ألحانا ومزامير في أصواتهم ومنعتم حقوق الله من أموالكم ولعن آخر أمتكم أولها وزوقتم المساجد وطولتم المنابر وحليتم المصاحف بالذهب والفضة وركب نساؤكم السروج وصار مستشار أموركم نساءكم وخصيانكم وأطاع الرجل امرأته وعق والديه وضرب شاب والدته وقطع كل ذي رحم رحمه وبخلتم بما في أيديكم وصارت أموالكم عند شراركم وكنزتم الذهب والفضة وشربتم الخمر ولعبتم بالميسر وضربتم بالكبر (٢) ومنعتم الزكاة ورأيتموها مغرما والخيانة مغنما

_________________

(١) في النسخة : فإذن.

(٢) الكبر بفتحتين هو الطبل له وجه واحد وجمعه كبار كجبل وجبال (مجمع البحرين).

١٤٣

وقتل البريء لتتعظ العامة بقتله واختلست قلوبكم فلم يقدر أحد منكم يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر وقحط المطر فصار قيضا والولد غيظا وأخذتم العطاء فصار في السقاط وكثر أولاد الخبيثة يعني الزناء وطففت المكيال وكلب عليكم عدوكم وضربتم بالذلة وصرتم أشقياء وقلت الصدقة حتى يطوف الرجل من الحول إلى الحول ما يعطى عشرة دراهم وكثر الفجور وغارت العيون فعندها نادوا فلا جواب يعني دعوا فلم يستجب لهم.

شرح قوله ولعن آخر أمتكم أولها

فصل اعلم أيدك الله تعالى أن قوله في هذا الخبر ولعن آخر أمتكم أولها مما يظن الناصبي أن فيه طعنا علينا وذلك ظن فاسد وقد لعن الله تعالى الظالمين فقال (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) وأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن من أصحابه من يغير بعده ويبدل ويغوي ويفتن ويضل ويظلم ويستحق العقاب الأليم والخلود في الجحيم.

فمما رووا عنه في ذلك قوله عليهم السلام لأصحابه

لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا في جحر ضب لاتبعتموهم فقالوا يا رسول الله اليهود والنصارى قال فمن إذن. (٢)

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم وقد ذكرت فتنة الدجال

لا فإني لفتنة بعضكم أخوف مني لفتنة الدجال (٣).

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه :

إنكم محشورون إلى الله يوم القيامة حفاة عراة وإنه سيجاء برجال من

_________________

(١) كذلك كلمات مطموسة.

(٢) تجد هذا الحديث في صحيح البخاريّ ج ٩ صلى الله عليه وآله وسلم ٨٣ بسنده عن أبي سعيد الخدري ورواه الطبريّ الإمامي في المسترشد صلى الله عليه وآله وسلم ٢٨ = ٢٩. باختلاف يسير.

(٣) انظر : صلى الله عليه وآله وسلم ٩٦ من صحيح البخاريّ ج ٤ من طبعة مصر سنة ١ ٣٠٦.

١٤٤

أمتي فيؤخذ بهم ذات اليمين وذات الشمال فأقول يا رب أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك إنهم لا يزالون مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم. (١)

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع لأصحابه :

ألا لأخبرنكم ترتدون بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ألا إني قد شهدت وغبتم.

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه الذي توفي فيه :

أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها الآخرة شر من الأولى. (٢)

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم :

تكون لأصحابي بعدي زلة يعمل بها قوم يكبهم الله عزوجل في النار على مناخرهم.

وحدثني من طريق العامة أبو محمد عبد الله بن عثمان بن حماس بمدينة الرملة قال حدثنا أبو الحسن أحمد بن محبوب قال حدثنا أبو الحسن محمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني قال حدثنا كثير بن عبيد أبو الحسن الحذاء قال حدثنا محمد بن حمير عن مسلمة بن علي عن عمر بن ذرة عن قلابة الحرمي عن أبي مسلم الخولاني عن أبي عبيدة الجراح عن عمر بن الخطاب قال :

أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلحيتي وأنا أعرف الحزن في وجهه فقال يا عمر (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) أتاني جبرائيل آنفا فقال (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) فقلت أجل (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) فمم ذاك يا جبرئيل قال

_________________

(١) تجد بعضه مرويا في صحيح البخاريّ ج ٩ صلى الله عليه وآله وسلم ٣٩ كتابه الفتن ورواه الطبريّ في المسترشد صلى الله عليه وآله وسلم ٢٩ باختلاف في بغض ألفاظه ومختصرا.

(٢) عن طبقات ابن سعد ج ١ صلى الله عليه وآله وسلم ١ ٩.

١٤٥

إن أمتك مفتنة بعدك بقليل من الدهر غير كثير فقلت فتنة كفر أو فتنة ضلالة قال كل سيكون فقلت فمن أين ذلك وأنا تارك فيهم كتاب الله قال بكتاب الله يضلون وأول ذلك من قبل أمرائهم وقرائهم بمنع الأمراء الحقوق فيسأل الناس حقوقهم فلا يعطونها فيفتنوا ويقتلوا يتبع القراء هؤلاء الأمراء ف (يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ) فقلت يا جبرئيل فيم يسلم من يسلم منهم قال بالكف والصبر إن أعطوا الذي لهم أخذوه وإن منعوهم تركوه.

فهذا بعض ما ورد من الأخبار في أنه قد كان بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ضل وأضل وظلم وغشم ووجب بغيه والبراءة منه متى فعله.

فأما الوجه في اللعن الذي يجب أن يحمل عليه ما تضمنه الخبر الذي أوردناه من قوله صلى الله عليه وآله وسلم ولعن آخر أمتكم أولها فهو ما استحله الظالمون المبغضون لأمير المؤمنين عليهم السلام من لعنه والمجاهرة بسبه وذمه فلسنا نشك في أنه قد تبرأت منه الخوارج ولعنه معاوية ومن بعده من بني أمية على المنابر وتقرب الناس إلى ولاة الجور بذمه ونشأ أولادهم على سماع البراءة منه وسبه.

حدثني القاضي أبو الحسن أسد بن إبراهيم بن كليب السلمي الحراني رحمة الله عليه بمدينة الرملة من نقل العامة قال أخبرني أبو حفص حمر بن علي العتكي الخطيب قال حدثني أحمد بن محمد بن سليمان الجوهري قال حدثني أبي = قال حدثنا محمد بن السبري قال حدثنا هشام بن محمد بن السائب عن أبيه = عن عبد الرحمن بن السائب عن أبيه قال

جمعنا زياد (١) في الرحبة فملأ منا الرحبة والقصر وحملنا على شتم علي بن أبي طالب والبراءة منه والناس في أمر عظيم قال فهومت برأسي تهويمة فإذا شيء أهدب أهدل ذو مشفر طويل مد إلي من السماء إلى الأرض ففزعت وقلت من أنت قال أنا النقاد ذو الرقبة أرسلني ربي إلى صاحب

_________________

(١) هو زياد بن أبيه عامل الأمويين على العراق.

١٤٦

هذا القصر فانتبهت فحدثت أصحابي فقالوا أنت مجنون فما برحنا أن خرج الآذن فقال انصرفوا فإن الأمير قد شغل وإذا الفالج قد ضربه قال فأنشأ عبد الرحمن يقول :

ما كان منتهيا عما أراد بنا

حتى تناوله النقاد ذو الرقبة

فأسقط الشق منه حربة ثبتت

كما تناول ظلما صاحب الرحبة

وحدثني السلمي قال أخبرني العتكي قال أخبرنا محمد بن الحسين الخزاعي الهمداني فيما قرأت عليه أن محمود بن مثوبة الواسطي حدثهم قال حدثنا القاسم بن عيسى قال حدثنا رحمة بن مصعب بن الباهلي قال حدثنا قرة بن خالد عن أبي رجاء العطاردي قال لا تسبوا هذا الرجل يعني عليا عليهم السلام فإن رجلا سبه فرماه الله بكوكبين في عينيه.

وحدثني السلمي أيضا قال أخبرني العتكي قال أخبرنا أبو جعفر محمد بن صالح الرازي وراق أبي ذرعة الرازي بمكة سنة ست وثلاثمائة قال حدثنا أبو ذرعة الرازي قال حدثني عبد الرحمن بن عبد الملك قال حدثني ابن أبي فديك قال حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي نعيم عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال :

كنت مستندا إلى المقصورة وخالد بن عبد الملك على المنبر يخطب وهو يؤذي عليا عليهم السلام في خطبته فذهب بي النعاس فرأيت القبر قد انفرج فاطلع مطلع فقال آذيت رسول الله لعنك الله.

وحدثني أيضا السلمي قال أخبرني العتكي قال أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن يعقوب البغدادي ويعرف بابن نساوران بأنطاكية قال

_________________

(١) رواه البيهقيّ في المحاسن والمساوي ج (١) صلى الله عليه وآله وسلم ٨٧ عن عبد اللّه بن السائب ، ورواه المسعودي في مروج الذهب ج ٣ صلى الله عليه وآله وسلم ٣٥ = ٣٦ ، وصاحب الرحبة هو عليّ عليه السلام لأنّه قتل في رحبة المسجد.

(٢) هكذا في النسخة ولعله : خالد بن عبد اللّه أي القسري.

١٤٧

حدثني أبو سعيد الحسن بن عثمان بن زياد الخلال التستري بتستر قال حدثني أحمد بن حماد الطهري قال حدثنا عبد الرزاق بن معمر عن الزبيري عن عكرة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :

إن الله تبارك وتعالى حبس قطر المطر عن بني إسرائيل بسوء رأيهم في أنبيائهم وأنه حابس قطر المطر عن هذه الأمة ببغضهم علي بن أبي طالب عليهم السلام.

وحدثني السلمي قال أخبرني العتكي قال حدثني أبو عبد الله أحمد بن جعفر الجوهري قال حدثنا أحمد بن علي المروزي قال حدثنا الحسن بن شعيب قال حدثنا خلف بن أبي هارون العبدي قال :

كنت جالسا عند عبد الله بن عمر فأتى نافع بن الأزرق فقال والله إني لأبغض عليا فرفع ابن عمر رأسه فقال أبغضك الله أتبغض ويحك رجلا سابقة من سوابقه خير من الدنيا بما فيها.

فقد بان بما ذكرناه ورويناه أن آخر هذه الأمة لعن أولها وأن متأخرها سب سابقها فاللعن متوجه في الخبر المتقدم إلى مبغضي أمير المؤمنين عليهم السلام والقادحين فيه.

وحدثنا الشيخ الفقيه أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان القمي بمكة في المسجد الحرام محاذي المستجار سنة اثنتي عشرة وأربعمائة قال أخبرني أبو محمد بن أحمد بن الحسين الشامي من كتابه قال حدثني أحمد بن زياد القطان في دكانه بدار القطن قال حدثنا يحيى بن أبي طالب قال حدثنا عمرو بن عبد الغفار قال حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال كنت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ أقبل علي بن أبي طالب فقال :

أتدري من هذا قلت هذا علي بن أبي طالب فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا البحر الزاخر هذا الشمس الطالعة أسخى من الفرات كفا وأوسع من الدنيا قلبا فمن أبغضه فعليه لعنة الله.

وحدثنا الفقيه ابن شاذان رحمه‌الله قال حدثنا سهل بن أحمد عن محمد بن

١٤٨

عبد الله الديباجي رحمه‌الله قال حدثنا محمد بن محمد بن محمد بن الأشعث بمصر قال حدثنا موسى بن إسماعيل عن أبيه قال حدثني موسى بن جعفر عن أبيه عن محمد بن علي عن أبيه عن الحسين بن علي عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

دخلت الجنة فرأيت على بابها مكتوبا بالذهب لا إله إلا الله محمد حبيب الله علي بن أبي طالب ولي الله فاطمة آية الله الحسن والحسين صفوتا الله على مبغضيهم لعنة الله.

وحدثنا ابن شاذان أيضا قال حدثني أبو حفص عمر بن إبراهيم بن أحمد بن كثير المقري المعروف بالكناني قال حدثني عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال حدثنا عبد الله بن عمر قال حدثنا عبد الملك بن عمير قال حدثنا سالم البزاز قال حدثني أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خير هذه الأمة من بعدي علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فمن قال غير هذا فعليه لعنة الله.

ومما حدثنا به الشيخ الفقيه أبو الحسن بن شاذان رحمه‌الله قال حدثني أبي رضي الله عنه قال حدثنا ابن الوليد محمد بن الحسن قال حدثنا الصفار محمد بن الحسين قال حدثنا محمد بن زياد عن مفضل بن عمر عن يونس بن يعقوب رضي الله عنه قال سمعت الصادق جعفر بن محمد عليهم السلام يقول ملعون ملعون كل بدن لا يصاب في كل أربعين يوما.

فقلت ملعون قال ملعون فلما رأى عظم ذلك علي قال يا يونس إن من البلية الخدشة واللطمة والعثرة والنكبة والفقر (١) وانقطاع الشسع وأشباه ذلك.

يا يونس إن المؤمن أكرم على الله تعالى من أن يمر عليه أربعون يوما لا يمحص فيها من ذنوبه ولو بغم يصيبه لا يدري ما وجهه وإن أحدكم ليضع

_________________

(١) في النسخة (الفقرة).

١٤٩

الدراهم بين يديه فيراها (١) فيجدها ناقصة فيغتم بذلك فيجدها سواء فيكون ذلك حطا لبعض ذنوبه.

يا يونس ملعون ملعون من آذى جاره ملعون ملعون رجل يبدأه أخوه بالصلح فلم يصالحه ملعون ملعون حامل القرآن مصر على شرب الخمر ملعون ملعون عالم يؤم سلطانا جائرا معينا له على جوره ملعون ملعون مبغض علي بن أبي طالب عليهم السلام فإنه ما أبغضه حتى أبغض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن أبغض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعنه الله في الدنيا والآخرة ملعون ملعون من رمى مؤمنا بكفر ومن رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله.

ملعونة ملعونة امرأة تؤذي زوجها وتغمه وسعيدة سعيدة امرأة تكرم زوجها ولا تؤذيه وتطيعه في جميع أحواله.

يا يونس قال جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

ملعون ملعون من يظلم بعدي فاطمة ابنتي ويغصبها حقها ويقتلها ثم قال يا فاطمة البشرى فلك عند الله مقام محمود تشفعين فيه لمحبيك وشيعتك فتشفعين.

يا فاطمة لو أن كل نبي بعثه الله وكل ملك قربه شفعوا في كل مبغض لك غاصب لك ما أخرجه الله من النار أبدا.

ملعون ملعون قاطع رحمه ملعون ملعون مصدق بسحر ملعون ملعون من قال الإيمان قول بلا عمل ملعون ملعون من وهب الله له مالا فلم يتصدق به أما سمعت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :

صدقة درهم أفضل من صلاة عشر ليال.

ملعون ملعون من ضرب والده أو والدته ملعون ملعون من عق والديه ملعون ملعون من لم يوقر المسجد.

أتدري يا يونس لم عظم الله تعالى حق المساجد وأنزل هذه الآية (وَأَنَ

_________________

(١) في النسخة فيريها.

١٥٠

الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم أشركوا بالله تعالى فأمر الله سبحانه نبيه أن يوحد الله فيها ويعبده

رسالة للمؤلف

رسالة كتبتها إلى أحد الإخوان وسميتها بالقول المبين عن وجوب مسح الرجلين.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) وصلاته على سيدنا محمد رسوله خاتم النبيين وآله الطاهرين.

سألت يا أخي أيدك الله تعالى في أن أورد لك من القول في مسح الرجلين ما يتبين لك به وجوبه وصحة مذهبنا فيه وصوابه وأنا أجيبك إلى ما سألت وأورد مختصرا نطلب ما طلبت بعون الله وتوفيقه.

اعلم أن فرض الرجلين عندنا في الوضوء هو المسح دون الغسل ومن غسل فلم يؤد الفرض وقد وافقنا على ذلك جماعة من الصحابة والتابعين كابن عباس (١) رحمه‌الله وعكرمة (٢) وأنس وأبي العالية والشعبي وغيرهم.

ودليلنا على أن فرضهما المسح قول الله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) النساء : ٦.

فتضمنت الآية جملتين صرح فيهما بحكمين بدأ في الجملة الأولى بغسل

_________________

(١) هو عبد اللّه بن العباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وحبر الأمة وترجمان القرآن = كما وصفوه = ولد بمكّة قبل الهاجرة بثلاث سنين وتوفي بالطائف سنة ٦٨ ه بعد أن كف بصره ، وينسب له التفسير المطبوع المعروف بتفسير ابن عبّاس ، ولي لأمير المؤمنين عليّ عليه السلام البصرة وقيل أنّه احتجن ما في بيت المال وهرب به ، وجرت بينه وبين الإمام (عليهم السلام) مراسلات ومكاتبات في شأن ذلك تجدها في العقد الفريد وبعضها في نهج البلاغة ، وهو جد الخلفاء العباسيين.

(٢) هو أبو عبد اللّه عكرمة البربري مولى عبد اللّه بن عبّاس ، حدث عن جماعة من الصحابة ومنهم عبد اللّه بن العباس ، كان يرى رأى الخوارج وهو متهم بالكذب مات (١ ٠٥ / ١ ٠٧ ه).

١٥١

الوجوه ثم عطفت الأيدي عليها فوجب لها من الحكم بحقيقة العطف مثل حكمها.

ثم بدأ في الجملة الثانية بمسح الرءوس ثم عطف الأرجل عليها فوجب أن يكون لها من الحكم بحقيقة العطف مثل حكمها حسبما اقتضاه العطف في الجملة التي قبلها (١).

ولو جاز أن يخالف في الجملة الثانية بين حكم الرءوس والأرجل المعطوفة عليها لجاز أن يخالف في الجملة الأولى بين حكم الوجوه والأيدي المعطوفة عليها فلما كان هذا غير جائز كان الآخر مثله فعلم وجوب حمل كل عضو معطوف في جملة على ما قبله وفيه كفاية لمن تأمله.

فإن قال قائل إنا نجد أكثر القراء يقرءون الآية بنصب الأرجل فيكون الأرجل في قراءتهم معطوفة على الأيدي وذلك موجب للغسل.

قيل له أما الذين قرءوه بالنصب من السبعة فليسوا بأكثر من الذين قرءوا بالجر بل هم مساوون لهم في العدد.

وذلك أن ابن كثير (٢) وأبا بكر (٣) وحمزة عن(٤) عاصم (٥) قرءوا أرجلكم بالجر وابن عامر (٦) والكسائي (٧) وحفصا (٨) عن عاصم قرءوا (وَأَرْجُلَكُمْ) بالنصب

_________________

(١) لأن الواو العاطفة تدلّ على مشاركة ما بعدها في الحكم لما قبلها وهي لمطلق الجمع.

(٢) هو أبو معبد عبد اللّه أحد القراء السبعة كانت وفاته بمكّة المكرمة سنة (١ ٢٠ ه).

(٣) هو شعبة وقيل سالم بن عيّاش الأسدي الكوفيّ أخذ عن عاصم أحد القراء السبعة توفي بالكوفة سنة (١ ٩٣ ه) وكان من الزهاء العباد اضطهد وشتم وحبس في سبيل نهيه عن المنكر.

(٤) هو حمزة بن حبيب الزيات أحد القراء السبعة وكان فقيها توفّي سنة ١ ٥٦ ه.

(٥) هو عاصم بن بهدلة ويكنى أبا بكر بن أبي النجود قرأ على أبي عبد الرحمن السلمي وزرّ بن حبيش توفّي سنة ١ ٢٨ ه.

(٦) هو عبد اللّه بن عامر اليخصبي أحد القراء السبعة من التابعين من أهل دمشق مات سنة ١ ٢٨ ه.

(٧) هو أبو الحسن عليّ بن حمزة بن عبد اللّه بن عثمان وقيل بهمن بن فيروز ، اتصل بالرشيد وأدّب ولديه الأمين والمأمون أخذ عن الرؤاسي وغيره ، توفّي سنة ١ ٩٧ ه ، أخذ عن حمزة بن حبيب وعبد الرحمن بن أبي ليلى.

(٨) هو حفص بن سليمان أبو عمرو البزار أخذ القراءة عن عاصم مرتفعة إلى عليّ عليه السلام من رواية أبي عبد الرحمن السلمي مات حفص سنة ١ ٣١ ه.

١٥٢

وقد ذكر العلماء بالعربية أن العطف من حقه أن يكون على أقرب مذكور دون أبعده هذا هو الأصل وما سواه عندهم تعسف وانصراف عن حقيقة الكلام إلى التجوز من غير ضرورة تلجئ إلى ذلك.

وفيه إيقاع للبس وربما صرف المعنى عن مراد القائل ألا ترى أن رئيسا لو أقبل على صاحب له فقال له أكرم زيدا وعمرا واضرب بكرا وخالدا كان الواجب على الصاحب أن يميز بين الجملتين من الكلام ويعلم أنه ابتداء في كل واحدة منهما ابتداء عطف باقي الجملة عليه دون غير وأن بكرا في الجملة الثانية معطوف على خالد كما أن عمرا في الجملة الأولى معطوف على زيد.

ولو ذهب هذا المأمور إلى أن بكرا معطوف على عمرو لكان قد انصرف عن الحقيقة ومفهوم الكلام في ظاهره وتعسف تعسفا صرف به الأمر عن مراد الآمر به فأداه ذلك إلى إكرام من أمر بضربه.

ووجه آخر وهو أن القراءة بنصب الأرجل غير موجبة أن تكون معطوفة على الأيدي بل تكون معطوفة على الرءوس في المعنى دون اللفظ لأن موضع الرءوس نصب لوقوع الفعل الذي هو المسح وإنما انجرت بعارض وهو الباء والعطف على الموضع دون اللفظ جائز مستعمل في لغة العرب ألا تراهم يقولون مررت بزيد وعمرا ولست بقائم ولا قاعدا قال الشاعر

معاوي إننا بشر فاسحج

فلسنا بالجبال ولا الحديدا

والنصب في هذه الأمثلة كلها أنما هو العطف على الموضع دون اللفظ.

فيكون على هذا من قرأ الآية بنصب الأرجل كمن قرأها بجرها وهي في القرآن جميعا معطوفة على الرءوس التي هي أقرب إليها في الذكر من الأيدي ويخرج ذلك عن طريق التعسف ويجب المسح بهما جميعا والحمد لله.

وشيء آخر وهو أن حمل الأرجل في النصب على أن تكون معطوفة على الرءوس أولى من حملها على أن تكون معطوفة على الأيدي وذلك أن الآية قد

١٥٣

قرئت بالجر والنصب معا والجر موجب للمسح لأنه عطف على الرءوس فمن جعل النصب إنما هو لعطف الأرجل على الأيدي أوجب الغسل وأبطل القراءة بالجر الموجب للمسح ومن جعل النصب إنما هو لعطف الأرجل على موضع الرءوس أوجب المسح الذي أوجبه الجر فكان مستعملا للقراءتين جميعا غير مبطل لشيء منهما ومن استعملهما فهو أسعد ممن استعمل أحدهما.

فإن قيل ما أنكرتم أن يكون استعمال القراءتين إنما هو بغسل الرجلين وهو أحوط في الدين وذلك أن الغسل يأتي على المسح ويزيد عليه فالمسح داخل فيه فمن غسل فكأنما مسح وغسل وليس كذلك من مسح لأن الغسل غير داخل في المسح.

قلنا هذا غير صحيح لأن الغسل والمسح فعلان كل واحد منهما غير الآخر وليس بداخل فيه ولا قائم مقامه في معناه الذي يقتضيه.

ويتبين ذلك أن الماسح كأنه قيل له اقتصر فيما تتناوله من الماء على ما يندى به العضو الممسوح والغاسل كأنه قيل له لا تقتصر على هذا القدر بل تناول من الماء ما يسيل ويجري على العضو المغسول.

فقد تبين أن لكل واحد من الفعلين كيفية يتميز بها عن الآخر ولو لا ذلك لكان من غسل رأسه فقد أتى على مسحه ومن اغتسل للجمعة فقد أتى على وضوئه هذا مع إجماع أهل اللغة والشرع على أن المسح لا يسمى غسلا والغسل لا يسمى مسحا.

فإن قيل لم زعمتم ذلك وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن معنى قوله سبحانه :

(فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) إلى أنه أراد غسل سوقها وأعناقها فسمى الغسل مسحا.

قلنا ليس هذا مجمعا عليه في تفسير الآية وقد ذهب قوم إلى أنه أراد المسح بعينه.

١٥٤

وقال أبو عبيدة (١) والفراء (٢) وغيرهما أنه أراد بالمسح الضرب.

وبعد فإن من قال أنه أراد بالمسح الغسل لا يخالف في أن تسميه الغسل مسحا مجاز واستعارة وليس هو على الحقيقة ولا يجوز لنا أن نصرف كلام الله تعالى عن حقائق ظاهرة إلا بحجة صارفة.

فإن قال ما تنكرون من أن يكون جر الأرجل في القراءة إنما هو لأجل المجاورة لا للنسق فإن العرب قد تعرب الاسم بإعراب ما جاوره كقولهم حجر ضب خرب فجروا خربا لمجاورته لضب وإن كان في الحقيقة صفة للحجر لا للضب فتكون كذلك الأرجل إنما جرت لمجاورتها في الذكر لمجرور وهو الرءوس قال إمرؤ القيس :

كأن ثبيرا في عرانين وبله

كبير أناس في بجاد مزمل (٣)

فجر مزملا لمجاورته لبجاد وإن كان من صفات الكبير لا من صفات البجاد فتكون الأرجل على هذا مغسولة وإن كانت مجرورة

_________________

(١) هو معمر بن المثنى التيمي من تيم قريش مولى لهم من علماء اللغة والأدب والأخبار ، وكان شعوبيا ومع هذا يرى رأي الخوارج ، له مؤلّفات عديدة ولد سنة ١ ١ ٢ ه ، وتوفّي سنة ٢١ ١ ه.

(٢) هو أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء من أئمة العربية له مؤلّفات كثيرة فيها ، مات بطريق مكّة سنة ٢٠٧ ه.

(٣) هو من معلقة امرئ القيس المشهورة التي أولها

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللوى بين الدخول فحومل

 وفي ديوان امرئ القيس بإخراج السندوبي روى البيت هكذا

كأن أبانا في أفانين ودقه

كبير أناس في بجاد مزمل

 وثبير : جبل. أفانين : ضروب. البجاد : كساء مخطط. مزمل : ملفف.

وامرئ القيس هو ابن الملك حجر بن الحارث الكندي ، ويقال له الملك الضليل توفّي سنة ٨٠ قبل الهجرة وسنة ٥٦٥ م.

وهو من فحول الشعراء الجاهليين حتّى قيل أنّه بدئ الشعر بملك يعني امرأ القيس ، وحتم بملك يعني أبا فراس الحمداني.

١٥٥

قلنا : هذا باطل من وجوه أولها :

اتفاق أهل العربية على أن الإعراب بالمجاورة شاذ نادر لا يقاس عليه وإنما ورد مسموعا في مواضع لا يتعداها إلى غيرها وما هذا سبيله فلا يجوز حمل القرآن عليه من غير ضرورة يلجأ إليه.

وثانيها : أن المجاورة لا يكون معها حرف عطف وهذا ما ليس فيه بين العلماء خلاف.

وفي وجود واو العطف في قوله تعالى (وَأَرْجُلَكُمْ) دلالة على بطلان دخول المجاورة فيه وصحة العطف.

وثالثها : أن الإعراب بالجوار إنما يكون بحيث ترتفع الشبهة عن الكلام ولا يعترض اللبس في معناه ألا ترى أن الشبهة زائلة والعلم حاصل في قولهم حجر ضب خرب بأن خربا صفة للحجر دون الضب. وكذلك ما أنشد في قوله مزمل وأنه من صفات الكبير دون البجاد. وليس هكذا الآية لأن الأرجل يصح أن فرضها المسح كما يصح أن يكون الغسل فاللبس مع المجاورة فيها قائم والعلم بالمراد منها مرتفع فبان بما ذكرناه أن الجر فيها ليس هو بالمجاورة والحمد لله.

فإن قيل كيف ادعيتم أن المجاورة لا تجوز مع واو العطف وقد قال الله عزوجل :

(يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ) (١)

ثم قال (وَحُورٌ عِينٌ) (٢)

فخفضهن بالمجاورة لأنهن يطفن ولا يطاف بهن.

قلنا أول ما في هذا أن القراء لم يجمعوا على جر حور عين بل أكثر السبعة يرى أن الصواب فيها الرفع وهم نافع وابن كثير وعاصم في رواية

_________________

(١) سورة الواقعة آية : ١ ٧ = ١ ٨.

(٢) الواقعة آية : ٢١.

١٥٦

أبي عمرو وابن عامر وإنما قرأها بالجر حمزة والكسائي وفي رواية المفضل عن عاصم.

وقد حكي عن أبي عبيدة أنه كان ينصب فيقرأ وحورا عينا.

ثم إن للجر فيها وجها صحيحا غير المجاورة وهو أنه لما تقدم قوله تعالى (أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) عطف بحور عين على جنات النعيم فكأنه قال هم في جنات النعيم وفي مقارنة أو معاشرة حور عين وحذف المضاف (١).

وهذا وجه حسن وقد ذكره أبو علي الفارسي (٢) في كتاب الحجة في القرآن واقتصر عليه دون ما سواه ولو كان للجر وبالمجاورة فيه وجه لذكره.

فإن قيل ما أنكرتم من أن تكون القراءة بالجر موجبة للمسح إلا أنه متعلق بالخفين لا بالرجلين وأن تكون القراءة بالنصب موجبة للغسل المتعلق بالرجلين بأعيانهما فيكون للآية قراءتان مفيدة لكلا الأمرين؟

قلنا أنكرنا ذلك لأنه انصراف عن ظاهر القرآن والتلاوة إلى التجوز والاستعارة من غير أن تدعو إليه ضرورة ولا أوجبته دلالة وذلك خطأ لا محالة.

والظاهر يتضمن ذكر الأرجل بأعيانها فوجب أن يكون المسح متعلقا بها دون غيرها كما أنه يتضمن ذكر الرءوس وكان الواجب المسح بها أنفسها دون أغيارها.

ولا خلاف في أن الخفاف لا يعبر عنها بالأرجل كما أن العمائم لا يعبر عنها

_________________

(١) وهو المقارنة أو المعاشرة.

(٢) هو أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفسوي النحوي من أئمة العلم والأدب ولد بمدينة (فسا) سنة ٢٨٨ ه ، وقدم بغداد واشتغل بها سنة ٣٠٧ ه ، وأصبح إمام عصره في النحو واتصل بسيف الدولة الحمداني وأقام عنده مدة وذلك سنة ٣٤١ ه ، وجرت بينه وبين المتنبي الشاعر محاورات ، توفي في بغداد سنة ٣٧٧ ه.

١٥٧

بالرءوس ولا البراقع بالوجوه فوجب أن يكون الغرض متعلقا بنفس المذكور دون غيره على جميع الوجوه.

ولو شاع سوى ذلك في الأرجل حتى تكون هي المذكورة والمراد من سواها لشاع نظيره في الوجوه والرءوس ولجاز أيضا أن يكون قوله سبحانه :

(إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ) المائدة : ٣٣ محمولا على غير الأبعاض المذكورة.

ولا خلاف في أن هذه الآية دالة بظاهرها على قطع الأيدي والأرجل بأعيانها وأنه لا يجوز أن ينصرف عن دليل التلاوة وظاهرها فكذلك آية الطهارة لأنها مثلها.

فإن قيل إن عطف الأرجل على الأيدي أولى من عطفها على الرءوس لأجل أن الأرجل محدودة كاليدين وعطف المحدود على المحدود أشبه بترتيب الكلام.

قلنا لو كان ذلك صحيحا لم يجز عطف الأيدي وهي محدودة على الوجوه وهي غير محدودة في وجود ذلك وصحة اتفاق الوجوه والأيدي في الحكم مع اختلافهما في التحديد دلالة على صحة عطف الأرجل على الرءوس واتفاقهما في الحكم وإن اختلفا في التحديد.

على أن هذا أشبه بترتيب الكلام مما ذكره الخصم لأن الله تعالى ذكر عضوا ممسوحا غير محدود وهو الرأس وعطفه عليه من الأرجل بممسوح محدود فتقابلت الجملتان من حيث عطف فيهما مغسول محدود على مغسول غير محدود وممسوح محدود على ممسوح غير محدود.

فأما من ذهب إلى التخيير وقال أنا مخير في أن أمسح الرجلين وأغسلهما لأن القراءتين تدل على الأمرين كليهما مثل الحسن البصري والجبائي ومحمد بن جرير الطبري ومن وافقهم (١) فيسقط قولهم بما قدمناه من أن القراءتين

_________________

(١) هذا الرأي تضمنه التساؤل السابق على الأخير.

١٥٨

لا يصح أن تدلا إلا على المسح وأنه لا حجة لمن ذهب إلى الغسل وإذا وجب المسح بطل التخيير.

وقد احتج الخصوم لمذهبهم من طريق القياس فقالوا إن الأرجل عضو يجب فيه الدية أمرنا بإيصال الماء إليه فوجب أن يكون مغسولا كاليدين.

وهذا احتجاج باطل وقياس فاسد لأن الرأس عضو يجب فيه الدية وقد أمرنا بإيصال الماء إليه وهو مع ذلك ممسوح.

ولو تركنا والقياس لكان لنا منه حجة هي أولى من حجتهم وهي أن الأرجل عضو من أعضاء الطهارة الصغرى يسقط حكمه في التيمم فوجب أن يكون فرضه المسح دليله القياس على الرأس.

فإن قالوا هذا ينتقض عليكم بالجنب لأن غسل جميع بدنه وأعضائه يسقط في التيمم وفرضه مع ذلك الغسل.

قلنا وقد احترزنا من هذا بقولنا إن الأرجل عضو من أعضاء الطهارة الصغرى فلا يلزمنا بالجنب نقض على هذا.

فإن قال قائل فما تصنعون في الخبر المروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

أنه توضأ فغسل وجهه وذراعيه ثم مسح رأسه وغسل رجليه وقال هذا وضوء الأنبياء من قبلي هذا الذي لا تقبل الصلاة إلا به؟

قيل هذا الخبر الذي مختلط من وجهين رواهما أصحابك.

أحدهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم توضأ مرة مرة وقال هذا الذي لا يقبل الله صلاة إلا به ولم يأت في الخبر كيفية الوضوء.

والآخر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم غسل وجهه ثلاثا ويديه ثلاثا ومسح رأسه وغسل رجليه إلى الكعبين وقال هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي ولم يقل لم يقبل الله صلاة إلا به فخلطت في روايتك أحد الخبرين بالآخر لبعدك من معرفة الأثر.

وبعد فلو كانت الرواية على ما أوردته لم يكن لك فيها حجة لأن الخبر

١٥٩

إذا خالف ما دل عليه القرآن وجب إطراحه والمصير إلى القرآن دونه.

ولو سلمنا لك باللفظ الذي تذكره بعينه كان لنا أن نقول إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مسح رجليه في وضوئه ثم غسلهما بعد المسح لتنظيف أو تبريد أو نحو ذلك مما ليس هو داخلا في الوضوء فذكر الراوي الغسل ولم يذكر المسح الذي كان قبله إما لأنه لم يشعر به بعدم تأمله أو لنسيان اعترضه أو لظنه أن المسح لا حكم له وأن الحكم للغسل الذي بعده أو لغير ذلك من الأسباب وليس هذا بمحال.

فإن قال فقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال :

(ويل للأعقاب من النار)

فلو كان ترك غسل العقب في الوضوء جائزا لما توعد على ترك غسله.

قلنا ليس في هذا الخبر ذكر مسح ولا غسل فيتعلق به ولا فيه أيضا ذكر وضوء فنورده لنحتج (١) به وليس فيه أكثر من قوله ويل للأعقاب من النار.

فإن قال قد روي أنه رآها تلوح فقال ويل للأعقاب من النار.

قيل له وليس لك في هذا أيضا حجة ولا فيه ذكر لوضوء في طهارة.

بعد فيجوز أن يكون رأى قوما غسلوا أرجلهم في الوضوء عوضا عن مسحها ورأى أعقابهم يلوح عليها الماء فقال ويل للأعقاب من النار.

ويجوز أيضا أن يكون رأى قوما اغتسلوا من جنابة ولم يغمس الماء جميع أرجلهم ولاحت أعقابهم بغير ماء فقال ويل للأعقاب من النار.

ويمكن أيضا أن يكون ذلك في الوضوء لقوم من طغام العرب مخصوصين كانوا يمشون حفاة فتشقق أعقابهم فيداوونها بالبول على قديم عادتهم ثم يتوضئون ولا يغسلون أرجلهم قبل الوضوء من آثار النجس فتوعدهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما قال وكل هذا في حيز الإمكان.

_________________

(١) في النسخة نحتج فأضفنا إليها اللام لتصحيح التعبير.

١٦٠